إدارة شرق الفيوم التعليمية
يشرفنا زيارتك ويشرفنا أكثر أن تكون معنا عضو
معاً ... نحن قادرون على التغيير
إدارة شرق الفيوم التعليمية
يشرفنا زيارتك ويشرفنا أكثر أن تكون معنا عضو
معاً ... نحن قادرون على التغيير
إدارة شرق الفيوم التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إدارة شرق الفيوم التعليمية

معاً .. نحن قادرون على التغيير
 
الرئيسيةالتسجيلدخولأحدث الصور
*** قوتنا مش اننا بقينا رقم واحد ..... قوتنا فى قوة كل واحد .....معا... قادرون على التغيير
**معا .. محافظة ... مديرية ... إدارة ... توجيهات مواد دراسية و توجيهات مالية وإدارية .. مجالس أمناء .. إعلام .. جرائد ومجلات .. مجتمع مدرسى .... وحدة دعم فنى وضمان جودة .... نحن جميعا قادرون على التغيير **

تهنئة من القلب للمدارس التى حصلت على شهادة الاعتماد والجودة ( الزاوية الجديدة ب / الفجرالجديد ب / محمدمعبد ب / دار الرماد بنات ب ) وكمان ( مدرسة مبارك الابتدائية  )عقبال باقى مدارسنا *** يا رب

*** علمت ان رزقى لا يأخذه غيرى فاطمأن قلبى  * وعلمت بان عملى لن يقوم به غيرى فاشتغلت به  ****

***ألف مليون مبروك  ****تهنئة من القلب من السيد الاستاذ / محمد ماجد المدير العام للادارة ووحدة الدعم الفنى لمدرسة مبارك الابتدائية بمناسبة حصولها على الاعتماد والجودة 2010/2011م ***
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
المواضيع الأخيرة
» قصيدة ذكرت فيها اسماء سور القرآن الكريم كلها
عبد الناصر و " فلسفة الثورة  ( جزء 2  ) I_icon_minitimeالسبت 04 أكتوبر 2014, 11:31 pm من طرف عبدالحميدعفيفي

» حصريا ملفات المراجع الخارجى وادواته وادلة المراجع الخارجى
عبد الناصر و " فلسفة الثورة  ( جزء 2  ) I_icon_minitimeالسبت 13 يوليو 2013, 3:47 am من طرف على الشناوى

» ليست العبرة " بَكثرة الآصْحَآبْ
عبد الناصر و " فلسفة الثورة  ( جزء 2  ) I_icon_minitimeالإثنين 04 فبراير 2013, 10:11 am من طرف نور الحياه

» حكم روعة جداجدا
عبد الناصر و " فلسفة الثورة  ( جزء 2  ) I_icon_minitimeالإثنين 04 فبراير 2013, 10:08 am من طرف نور الحياه

» مراكز التعلم برياض الأطفال
عبد الناصر و " فلسفة الثورة  ( جزء 2  ) I_icon_minitimeالأحد 03 فبراير 2013, 9:30 am من طرف نور الحياه

» ت ..... قانون رقم 12 لسنة 1996 بشأن إصدار قانون الطفل اليوم في
عبد الناصر و " فلسفة الثورة  ( جزء 2  ) I_icon_minitimeالجمعة 18 يناير 2013, 2:52 pm من طرف ahamedali1970

» قانون رقم 12 لسنة 1996 بشأن إصدار قانون الطفل
عبد الناصر و " فلسفة الثورة  ( جزء 2  ) I_icon_minitimeالجمعة 18 يناير 2013, 2:51 pm من طرف ahamedali1970

» قانون الطفل المصري
عبد الناصر و " فلسفة الثورة  ( جزء 2  ) I_icon_minitimeالجمعة 18 يناير 2013, 2:45 pm من طرف ahamedali1970

» دور المعلمة في كل فترة من فترات البرنامج اليومي
عبد الناصر و " فلسفة الثورة  ( جزء 2  ) I_icon_minitimeالجمعة 18 يناير 2013, 2:37 pm من طرف ahamedali1970

مواضيع مماثلة
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
مايو 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
  12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031  
اليوميةاليومية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط إدارة شرق الفيوم التعليمية على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط إدارة شرق الفيوم التعليمية على موقع حفض الصفحات
منتدى
تصويت

 

 عبد الناصر و " فلسفة الثورة ( جزء 2 )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ahamedali1970
ahamedali1970
ahamedali1970


عدد المساهمات : 394
من فضلك .. لاتقرأ وترحل .. اترك بصمة : 2
تاريخ التسجيل : 31/12/2009
الموقع : إدارة شرق الفيوم التعليمية

عبد الناصر و " فلسفة الثورة  ( جزء 2  ) Empty
مُساهمةموضوع: عبد الناصر و " فلسفة الثورة ( جزء 2 )   عبد الناصر و " فلسفة الثورة  ( جزء 2  ) I_icon_minitimeالأربعاء 20 يناير 2010, 10:42 am

المنهج ... حجر الأساس (1)

بعد المقدمات السابقة ندخل بهذا المقال في موضوع الحديث عن الناصريين وإليهم . ولقد طالت تلك المقدمات عمداً مع أنها دارت حول سمة واحدة من سمات جمال عبد الناصر لإبراز ما امتاز به وحده وتميز به عن غيره فوحد بينه وبين الشعب واصبح عنصراً جوهرياً في فهم الشعب لأفعال وأقوال وأفكار جمال عبد الناصر ، وهو أن جمال عبد الناصر لم يكن عند الشعب مجرد قائد او حاكم أو رئيس بل كان " بطلاً تاريخياً " على وجه التخصيص . وانتهينا في آخر ما سبق إلى سؤال الناصريين : " ماالذي ستقدمونه إلى الشعب العربي ضماناً لالتزامكم إكمال مشوار عبد الناصر .. بدون عبد الناصر ؟ " .

منهم من سيقول " أنا " أو يستحي قليلاً فيقول " نحن " . أولئك يستغلون جمال عبد الناصر استغلالاً مجرداً من توقير واحترام ذكرى الرجل العظيم حين يقدمون أشخاصهم بديلاً عن شخصه موهمين انفسهم ، او موهمين غيرهم ، بأن ما صدر عن البطل من أفعال أو اقوال او أفكار إذ يسند إليهم " كناصريين " ستبقى له دلالته التي قبلها الناس في حياة عبد الناصر .

لقد " ركع " أنور السادات أمام تمثال جمال عبد الناصر في مجلس الأمة على إثر ترشيحه لرئاسة الجمهورية ، وأعلن بعبارات جهورية بليغة أنه يلتزم خط عبد الناصر وغايته وبيانه ( بيان 30 مارس ) . ويعرف الناصريون قبل غيرهم أن أنور السادات كان في ركعته الوثنية تلك كاذباً . ومع أن نهاية السادات المأساوية كانت نتيجة متراخية لفعلته تلك فهي عبرة . وبالرغم مما أدت إليه مسيرته مرتداً من تحقيق قدر كبير من فرز القوى بحيث أصبحت واضحة إلى حد لا بأس به معالم تيار ناصري كبير وعريض وكثيف ونشيط في الوطن العربي يوشك ان يتوحد في حزب . إلا أنه لا يزال في قلب التيار الناصري من يوهمون أنفسهم أو يوهمون غيرهم كما فعل السادات ، لا يفترقون عنه إلا بأنهم – كما اعتقد – حسنوا النوايا أي قد يكونون مقتنعين بصدق مواقفهم . اما فيما يتجاوز حسن النية فإنهم لا يفترقون عن السادات إلا في الشكل . ويبقى مضمون الموقف واحداً . تولى هو رئاسة جمهورية عبد الناصر . وهم ينشئون من الناصريين أحزاباً وجماعات وشللاً ليتولوا رئاستها . وبدلاً من الركوع أمام تمثال عبد الناصر يكادون يقدسون عبد الناصر وافعاله واقواله وافكاره . تعرفهم من انهم أكثر الناس تعبيراً بأكثر الأصوات صخباً بأكثر الكلمات حدة بأكثر الانفعالات " عصابية " عن قدسية أفعال وأقوال وأفكار عبد الناصر .

منذ نحو عامين انعقدت في القاهرة ندوة عن ثورة 23 يوليو حضرها جمع من الناصريين والمتناصريين وأعداء عبد الناصر أيضاً .. لفت الانتباه واحد من النابهين الذين عملوا في أقرب المواقع من عبد الناصر . عبر بهدوء ويقين غريبين عن تأكيد أن كل ما حدث منذ 23 يوليو 1952 في مصر كان مخططاً له ، بحيث يأتي الحدث في وقته ليؤدي غايته وينسحب ليخلي مكانه لحدث آخر كان معداً من قبل . نفى نفياً قطعياً أن يكون قد حدث غلط أو خطأ ولو بحسن نية أو تكون أحداث قاهرة قد تدخلت فغيرت مما كان متوقعاً . باختصار أراد ، وهو شيخ ، أن يقنعنا ، ونحن شيوخ ، أن عبد الناصر لم يخطيء قط وانه كان يخطط ويتوقع كل ما حدث في حياته . أثار هذا الاسلوب أغلب " الناصريين " حتى همس أحدهم : لم يبق إلا ان يقول لنا إننا كنا قد خططنا لهزيمة 1967 وان اعتراف عبد الناصر بالأخطاء كان تخطيطاً !!

هذا منطق شيخ ناصري فلنتأمل منطق شاب ناصري أيضاً .

في الشهور الأخيرة من عام 1981 كنت من بين الذين " لمّهم " أنور السادات وألقى بهم في ملحق سجن مزرعة طرة جنوب القاهرة . كنا نحو أربعين لا يكاد يتفق منا أحد مع أحد فعلاً او قولاً أو فكراً إلا القليل . وكان من بين القليل الذين يبدون مثقفين حفنة من الناصريين على رأسهم أكثر من عرفت من الناصريين صلابة وشجاعة وهدوءأً وتهذيباً ، الاستاذ محمد فائق . كما كان من بينهم الرجل الذي يتصدى منذ ثلاثة أعوام لإنجاز أهم وأصعب المهام الناصرية الأستاذ فريد عبد الكريم وكيل المؤسسين للحزب الاشتراكي العربي الناصري . وكان من بينهم شباب ناصريون تحدوا الردة الساداتية بشجاعة وهم بعد طلبة . قال واحد من هؤلاء الشباب أمام الآخرين وهم يتحدثون عن كتاب " نظرية الثورة العربية " : إن العيب الوحيد في هذا الكتاب الذي يحول دون قبوله من الناصريين هو أنه ليس بكلمات عبد الناصر !! فاكتفى محمد فائق بالابتسام ..

بالرغم من كل سلبيات تلك المواقف إلا انها مفهومة أوقابلة للفهم . إني أضيف أنها إلى عهد قريب كانت مشروعة إذ كان مايزال " شخص " عبد الناصر البطل هو الذي يوحد الناصريين وبالتالي فإن الحرص على تأكيد " حضوره " فيما بينهم بالرغم من " غيابه " عنهم هو تعبير قوي وإن كان غير مباشر عن رغبتهم المؤكدة في أن يتحولوا إلى قوة سياسية موحدة . إلى حزب .

ولقد أوشكوا على أن يتوحدوا حزباً ناصرياً بدون عبد الناصر ، يتقدم إلى الشعب العربي بنظرية " ناصرية " لبناء المستقبل وهذا هو على وجه التحديد جوهر المشكلة التي يواجهها الناصريون الآن .. إذ أن الناصرية .. مثل كل النظريات وعد وعهد . وعد من الناصريين للشعب بنظام للتطور الاجتماعي في المستقبل اختاروه له . وعهد فيما بين الناصريين بأن يعملوا معاً على تطبيقه . على المستوى الأول سيكون الناصريون ملزمين بأن يجيبوا في أي وقت على السؤال كيف عرفتم أن النظام الذي تعدون به هو الحل الصحيح لمشكلات التطور الاجتماعي المتجددة أبداً . لن يجدي جواباً الآن أن يقال : هكذا قال عبد الناصر ، بل لابد من الإحالة في الجواب إلى " منهج " معرفتهم علمي محدد . وعلى المستوى الثاني ، مستوى العهد ، لم يعد عبد الناصر حاضراً ليحتكم إليه الناصريون فيما يختلفون ، وبالتالي لن يستطيعوا اجتناب مخاطر الخلاف إلا إذا كانوا يملكون ويلتزمون معياراً واحداً لاختبار صحة المواقف يحتكمون إليه عند الخلاف . أي إلا إذا كانوا يملكون " منهجاً " موحداً للمعرفة .

ولقد كان جمال عبد الناصر طوال حياته يقوم – شخصياً – بوظيفة " المنهج " فهو المفكر المدبر الواعد دائماً القادر دائماً . على تعريف الناس صحة وعوده . ولقد كان من آثار " توحد الناس والبطل " الذي أشرنا إليه من قبل أن ارتضى الناس أن يفكر لهم عبد الناصر ويدبر ، ووثقوا دائماً في صدق وعوده إلى درجة أن أحداً لم يعترض على أن يتولى عبد الناصر منفرداً وضع مشروع فكري كامل لصياغة الحياة في مصر لمدة عشر سنوات قادمة ( الميثاق ) واقتصر الحوار العريض ، الطويل ، بينه وبين المؤتمر الوطني على استفسارات عن دلالة أو آثار أحكام الميثاق وشروح طويلة من القائد المعلم . ثم إقرار للميثاق كما هو بدون إضافة أو حذف أو تعديل كلمة واحدة . أقوى من هذا دلالة على ثقة الناس في صدق وعود عبد الناصر أنهم ، في أخطر المواقف ، حيث كان واقع الهزيمة ينفي صدق وعود النصر ، بقي النصر وعداً قابلاً للتحقق بشرط أن يبقى وعداً من عبد الناصر فأبقى الناس عبد الناصر موضع ثقتهم وآمالهم ( يوم 9 و10 يونيو 1967 ) . وكان هو مرجع الجميع للحكم فيما يختلفون فيه من تطبيق مشروعاته الموعود بها . لم يكن أحد في حياة عبد الناصر يعاهد أحداً ولا حتى على " تأييد " عبد الناصر ، إنما كان الجميع ، وكل واحد منهم ، يعاهدونه هو ، فكان هو موحدهم ، وموحد فهمهم ، والمبقي على وحدتهم حوله . ولعله من أغرب ظواهر هذه العلاقة أنه منذ فترة الإعداد لثورة 23 يوليو 1952 لم يكن أحد يعرف أسماء جميع " الضباط الأحرار " إلا عبد الناصر وحده ، وقد بقي الأمر على هذا إلى أن توفي عبد الناصر .

باختصار كان عبد الناصر يقوم على وجه فذ بوظيفة " منهج " المعرفة الذي يوحد الناصريين ، الآن غاب عبد الناصر فأصبح موقع المنهج من الناصرية خالياً ووظيفته شاغرة ، وهذا يلعب دوراً خطيراً في إعاقة التقاء الناصريين على مفهوم واحد للناصرية ، وعجزهم عن الاحتكام إلى معيار معرفي واحد عند الاختلاف .. ويضفي – في الوقت ذاته – قدراً من المشروعية على " المواقف الفردية " في داخل التيار الناصري إذ : " مافيش حد أحسن من حد " لأن الحكم مفتقد .

أرجو أن يكون هذا واضحاً .

السؤال الآن من أين المنهج ؟ .. أو أي منهج ؟

الجواب أسهل بكثير مما يتصور كثيرون . وما غاب عن تصورهم إلا لأن أكثر الناصريين مشغولون بتقديس عبد الناصر بدلاً من الانشغال بدراسته . ولقد انشغلنا بدراسته منذ أن غاب ولم نزل حتى في هذا الحديث " عن الناصريين .. وإليهم " . ليس دراسة المؤرخين للماضي ولكن دراسة المهمومين بمستقبل أمة فقد بطلها . ولا شك في أن من بين الناصريين الذين كانوا أكثر قرباً منه من يستطيع أن يقدم إلى الجيل الجديد من شباب الأمة العربية تعريفاً بعبد الناصر أكثر جودة مما نجتهد فيه . ولست أعرف سبباً واحداً لنكوصهم ومنهم من لاتنقصه كفاءة البحث العلمي خاصة وقد استنفذوا كما اعتقد كل مبررات الكتابة عنه للكتابة عن أنفسهم من خلال مذكراتهم .

على أي حال ، فالناصرية هي الصياغة الفكرية لتجربة مرحلة عبد الناصر أو تلك هي بدايتها ، وبالتالي فإن المصدر الأساسي لصياغة منهجها هو " منهج " عبد الناصر نفسه .. وسنحاول فيما يلي طرح خلاصة ما كنا قد درسناه يوم أن كنا نكتب للناصريين وبناء على طلبهم " نظرية الثورة العربية " .

البداية المثيرة ما ذكرناه من قبل من قول عبد الناصر عند تقديمه الميثاق أنه كان ينتهج في الفترة السابقة على تقديمه ، أي ما قبل وضع الميثاق " التجربة والخطأ " . قال يوم 21 مايو 1961 أمام المؤتمر الوطني للقوى الشعبية : " العشر سنوات اللي فاتت كانت فترة تجربة ، فترة ممارسة ، كانت فترة مشينا فيها بالتجربة والخطأ " وكرر هذا في مباحثات الوحدة الثلاثية يوم 7 أبريل 1963 .

وقد توقفنا طويلاً عند هذا القول يوم أن كنا نصوغ " نظرية الثورة العربية " لأن ما فيه من غرابة لا يقل عما فيه من أمانة . ذلك لأن عبد الناصر كان ضابطاً ثم استاذاً للضباط ، مقاتلاً ثم استاذاً لفنون القتال وعلم الحرب . وإذا كانت أية مادة علمية تحتمل في النظرية أو في الممارسة الاتكال على صدفة التجريب ، أو " منهج " يسمى التجربة والخطأ ، فإن العلوم العسكرية لا تحتمله . في العلوم العسكرية حيث التجربة تجريب في الحياة ذاتها ، والخطأ يساوي الموت ذاته لايقبل من أحد ترك الحياة والموت للخطأ المحتمل حيث يكون الثمن حياة البشر .. فكيف يقول عبد الناصر إنه قد مشى عشر سنوات بالتجربة والخطأ .

توقفنا ثم سألنا القريبين منه قرباً لصيقاً : كيف كان عبد الناصر يتخذ قراراته فجاء الجواب متواتراً من أكثر من واحد ، ومتكرراً فيما كتب عن عبد الناصر . كان إذا ما شرع في إتخاذ قرار يجمع على نطاق واسع ومن مصادر متعددة كل الوقائع التي ترشح أو تعوق القرار ، ويستمع بصبر لاينفد أبداً إلى كل الآراء حول الآثار المحتملة لهذا القرار ، ويطلب ويحصل على صورة صادقة ودقيقة وشاملة لآراء الناس العاديين ( الجماهير ) في تقبل أو رفض الصيغ البديلة لمثل هذا القرار . ولقد كانت تتبعه أجهزة بالغة الاتساع والكفاءة لاستطلاع الرأي العام في أي موضوع . بعد هذا ينكب على دراسة كل ما اجتمع له من عناصر تكوين الرأي ، ويدرسه ، ويراجعه على مراجع علمية أيضاً ثم يتخذ القرار على ضوء ما يحققه من تقدم طبقاً لمعياره الأصيل : التحرر . إنه ذات الاسلوب العلمي المعتمد وحده في العلوم العسكرية ولكنه في الحياة الاجتماعية يقترب كثيراً من المنهج " البراجماتي " .

ولقد كدت يوماً أن انسب إلى عبد الناصر " البراجماتية " منهجاً ، أي انه يتخذ من النفع المباشر المحتمل للقرار معياراً لصحته لولا أن المنهج البراجماتي ذاته منهج " مثالي " فردي . ولم يكن عبد الناصر مثالياً فردياً ، وإلا لما شغل نفسه بوضع الميثاق تخلياً عن المثالية ، ولما انحاز إلى الجماهير المقهورة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً تاكيداً لتوجهه الاجتماعي . عبد الناصر ، إذن ، لم يكن براجماتي المنهج .

ماذا إذن ؟ ..

ظل الجواب يراوغ مقدرتي على الفهم حتى قرأت للمرة التي لا أدري كم " فلسفة الثورة " فوجدت عبد الناصر يقول في جمل تبدو عابرة :

" أنا أشهد أنه مرت علي بعد 23 يوليو نوبات اتهمت فيها نفسي وزملائي وباقي الجيش بالحماقة والجنون الذي صنعناه في 23 يوليو . لقد كنت اتصور قبل 23 يوليو أن الأمة كلها متحفزة متأهبة وانها لا تنتظر إلا طليعة تقتحم أمامها السور فتندفع الأمة وراءها صفوفاً متراصة منتظمة تزحف زحفاً مقدساً إلى الهدف الكبير . وكنت أتصور دورنا على انه طليعة الفدائيين ، وكنت أظن ان دورنا لا يستغرق أكثر من بضع ساعات ، وياتي بعدها الزحف المقدس للصفوف المتراصة المنتظمة إلى الهدف الكبير . بل قد كان الخيال يشط بي أحياناً فيخيل إلي أني أسمع صليل الصفوف المتراصة وأسمع هدير الوقع الرهيب لزحفها المنظم إلى الهدف الكبير ، أسمع هذا كله ويبدو في سمعي من فرط إيماني به حقيقة مادية وليس مجرد تصورات خيال . ثم فاجأني الواقع بعد 23 يوليو ..

قامت الطليعة بمهمتها واقتحمت سور الطغيان وخلعت الطاغية ووقفت تنتظر وصول الزحف المقدس للصفوف المتراصة المنتظمة إلى الهدف الكبير . وطال انتظارها .

لقد جاءتها جموع ليس لها آخر .. ولكن ما أبعد الحقيقة عن الخيال ..

كانت الجموع التي جاءت أشياعاً متفرقة وفلولاً متناثرة وتعطل الزحف المقدس إلى الهدف الكبير ، وبدت الصورة يومها قاتمة مخيفة تنذر بالخطر . ولقد أحسست وقلبي يملؤه الحزن وتقطر منه المرارة أن مهمة الطليعة لم تنته في هذه الساعة وإنما من هذه الساعة بدأت ..

ولم نكن على استعداد .

وذهبنا نلتمس الرأي من ذوي الرأي ، والخبرة من أصحابها ، ومن سوء حظنا لم نعثر على شيء كثير .. "

هكذا كان الأمر إذن . لم يكن عبد الناصر في حاجة إلى منهج أو نظرية ليعد للثورة ويفجرها وينتصر . كان اسلوب الممارسة العلمية التي كان أستاذها كافياً لكل هذا . ولم يكن عبد الناصر في حاجة إلى منهج او نظرية ليحكم ويقود لأنه لم يكن يعتقد أن ذاك دوره أو كما قال " لم يكن مستعداً " .. فلم يكن أمامه إلا التجربة والخطأ ..

كيف إذن إنتقل من مرحلة التجربة والخطأ إلى مرحلة الميثاق ..

هذا سؤال سألته لنفسي ، وأنا بصدد دراسة المنهج ، عشرات المرات ولم استطع أن اهتدي إلى الجواب الصحيح عليه إلا على ضوء ما انتهى إليه تطور عبد الناصر فكراً وممارسة . فقد أهتديت إلى ان عبد الناصر كان منذ ما قبل الثورة يحمل في ذاته " موجهاً " منهجياً يستجيب إليه على السجية بدون افتعال . وحتى بدون ان يعيه . نتحدث عنه فيما يلي إكمالاً للحديث عن " المنهج . حجر الأساس " ولكن لابد ان ننبه منذ الآن إلى أننا قد اهتدينا إليه لا من خلال دراسة عبد الناصر ، ولكن من خلال دراسة " النظرية القومية " ومواقف عبد الناصر من الأمة العربية وحضارتها .. وهو ما سيفسر كثيراً .. كثيراً .. من مواقفه من الحرية أوالاشتراكية أو الوحدة .

(9)

المنهج .. حجر الأساس (2)

في البدء كنا عرباً قبل أن نعرف ما هي العروبة . كان أهلنا في الصعيد يغضبون غضباً يعبرون عنه ردعاً لمن يشكك في عروبة الأسر . كل الأسر . وكنا أطفالاً نصطنع الغضب والمعارك دفاعاص عن عروبتنا قبل أن نعرف ماهي العروبة وكنا نتحلق حول اجدادنا كبار السن يقصّون علينا سلاسل من الأنساب تنتهي حتماً بجد عربي وراعي غنم وفد في جيش عمرو بن العاص فاتحاً . ياجدي .. وهل كان عمرو بن العاص عربياً ؟ اخرس ياغبي " امال يعني كان انجليزي " .. كان الإنجليز يحتلون مصر منذ عرابي فلم يكن أجدادنا يميزون العربي الذي هو منا إلا بنقيضه الإنجليزي الذي هو علينا .. وهو كريم لأنه عربي . وهو شهم لأنه عربي . وهو عزيز النفس لأنه عربي . وهو حامي الجيرة لأنه عربي فعرفنا العروبة فضيلة تنطوي على كل الفضائل ومن حين إلى حين ، يتزوج فتى ، او تقام حفلة ختان صبي ، فيجتمع أهل القرية في ساحتها ليشاركوا ويشاهدوا معالم الفرح الجماعي . يصطف الشباب وقد تساندت أكتافهم وتشابكت أيديهم ويحيط بهم الباقون رجالاً ونساء جلوساً على الأرض الطيبة . ثم يبدأ "عوض الله" في قيادة المصطفين على إيقاع دفه الكبير . هو يحدو ويرقص وهم يرددون متمايلين على إيقاعه شعراً بدوياً غريب اللهجة حتى إننا نحن الصغار لا نفهمه وإن كنا نتمايل معهم . ومن ركن مظلم تنفلت فتاة محجبة فتجلس أمام شاب من الراقصين ، فيتوقف الرقص ويتقدم الشاب خطوة ليلقي على تلك التي لا يعرفها موال " غزل " صريح . حتى إذا ما فرغ هلل الجميع وانسحبت الفتاة ، وعاد إلى الصف ليبدأ الرقص على ايقاع الدف وترديد الأغاني . كانت تلك أسعد ليالينا .. ليالي" زفة العرب " كما كان أهلنا يسمونها .. فعرفنا ان العروبة مصدر بهجة جماعية .. ولم يكن أحد من قرى الصعيد يعرف عن العروبة إلا انها علاقة جماعية على الأصل الواحد . وفضائل السلوك وبهجة الحياة .. وقرابة فوق الأسر موثقة في صحف عتيقة تحتفظ بها الأسر ليعرف منها كل مولود عربي – حين يشب – مكانه من " شجرة العائلة " التي تنتهي دائماً – إلى عربي جاء إلى مصر مع عمرو بن العاص .. بعد سنين طويلة من الخبرة والعلم عرفنا أن أغلب ، أو على الأصح بالنسبة إلى قريتنا " الهمامية " كل تلك الوثائق مزيفة .. اصطنعت لتؤكد شعوراً غير زائف بالانتماء العربي ، فلم تكن في زيفها أقل دلالة على صدق الشعور مما لو كانت وثيقة تاريخية ..

قبل أن ندرك كيف يحمل الشعور الصادق صاحبه على تأكيده بالكتابة ، كنا قد تعلمنا القراءة والكتابة والحساب ، ودخلنا مدرسة التاريخ المكتوب عن الأمة والقومية والعروبة ، والتطور .. الخ . فعرفنا من أساتذتنا الأوائل أن العروبة ليست " زفة فرح " بل هي انتساب إلى امة . وحفظنا عن ظهر قلب تقريباً كل أوصاف الأمة كما عددها كل الذين وصفوا الأمة من جميع الأمم .. فلم يعد لدينا شك في أننا ننتمي إلى أمة توافرت لها كل أوصاف الأمم .. وعشنا كل آلام العرب ، آلامنا . وحملنا كل هموم العرب ، همومنا . وحددنا آمالنا من آمال أمتنا ..

ثم ألح علينا سؤال بعد ان درسنا حتى آخر كلمة النظرية الماركسية في الأمة . سؤال طرحه الماركسيون ولم يطرحه أحد من قبلهم فيما نعلم . لماذا تتكون الأمم ؟ . قالوا إن الطبقة البرجوازية الصاعدة في أوروبا بعد عهد الاقطاع قد " كوّنت " الأمم فتوسع نطاق السوق الرأسمالي . هكذا كانت ألمانيا وهكذا كانت إيطاليا .. الخ . لم نستطع ان نفهم ، لماذا إذن ، اقتصر جهد البورجوازية الألمانية على تكوين الأمة الألمانية ، واقتصر جهد البورجوازية الايطالية على تكوين الأمة الايطالية ؟ لماذا لم تكوّن البورجوازية الأوروبية أمة أوروبية إلا إذا كانت كل بورجوازية منها قد " وجدت " أمة كانت متكونة من قبل واقتصر جهدها على توحيدها .. لابد أن يكون وجود " الأمة " سابقاً على توحيدها في دولة .

وبقي السؤال الذي طرحه الماركسيون ، لماذا تتكون الأمة ؟ .. بدون جواب ، فاجتهدنا في الإجابة .. من أين نبدأ ؟ - أولاً – من معرفة كيف تتكون الجماعات البشرية ، ثم نعرف – ثانياً – كيف تتطور من طور إلى طور . وكان لابد من معرفة قوانين التطور الاجتماعي أولاً إذ أن بداية تكوين الجماعات البشرية معروفة . كانت البداية أسراً ، ثم عشائر ، ثم قبائل ، ثم شعوباً ، ثم أمماً ، فكيف تتطور ( تنمو ) الأسر لتكون عشيرة ، وتتطور العشائر لتكون قبائل ، وتتطور القبائل لتكون شعوباً ، وتتطور الشعوب لتكوّن امماً .. ومن يدري ماذا سيكون بعد ذلك ؟

ماهو قانون التطور البشري ؟

كل فرد يسعى إلى إشباع حاجته لايألوا . كل أسرة تسعى إلى إشباع حاجاتها لا تألوا ، تتصارع الأسر على مايشبع حاجاتها من موارد حتى تتساند ثم تلتحم عشيرة تكون بقوتها الموحدة أقدر على توفير احتياجات الأسر داخلها . ثم تتصارع العشائر حتى تتساند ثم تلتحم قبيلة تكون بقوتها أقدر على توفير احتياجات العشائر داخلها . ثم تتصارع القبائل حتى تتساند وتلتحم شعباً يكون بقوته أقدر على توفير احتياجات القبائل فيه ومن مظاهر قوته الاستئثار بأرض معينة وحمايتها والاشتراك في الانتفاع بمواردها . حتى إذا ما استقر الشعب سنين قد تكون قروناً من التفاعل فيما بينه وبين الأرض المعينة ، ينشيء من تفاعله مجموعة من التقاليد والآداب والنظم والفنون والعادات فيكتمل بحضارته أمة . ويحمل الأطفال منذ الميلاد حضارة أمتهم نقلاً عن أمهاتهم اللواتي حملنها أطفالاً عن أطفال عن أطفال ..

نطبق على امتنا العربية ، انتقلت من الطور القبلي إلى الطور الشعبي بالهجرة إلى المدينة ( الوطن الخاص بأهل المدينة ) فأصبح اهل المدينة شعباً . وتفاعل شعب المدينة عن طريق الدعوة والفتح بشعوب محيطة وقبائل أخرى وحدّها الاسلام بعد تعدد وآمنها بعد خوف وحماها بعد إباحة لكل غزو ، وتركها قروناً تتفاعل فيما بينها وبين الأرض المشتركة ، أداتها لغة واحدة ، وحدودها نظام واحد ، إلى أن اكتشف الذين كانوا شعوباً متفرقة ، خلال قرنين من الدفاع عن الأرض المشتركة ضد الغزو الصليبي ، إنهم امة مكتملة ذات حضارة عربية تميزهم كأمة عن باقي الأمم وباقي الشعوب نتيجة تفاعل الاسلام الحضاري مع مالا ينقصه من الحضارات السابقة على التكوين القومي ..

وبعد ؟ …

وبعد فإن الحضارة العربية التي أنشأتها الأمة العربية التي أنشأها الإسلام تتضمن – مثل كل الحضارات – ضوابط للسلوك ، ومعايير للقيم ، وحدوداً للنظر خاصة بها ، ومن بينها مؤشر منهجي حضاري .. هو ذلك الذي يتبعه العربي على السجية بدون افتعال وربما بدون أن يعيبه من أين اكتسبه ؟

من الاسلام .

من القرآن على وجه التحديد ؟

قلنا في كتاب " نظرية الثورة العربية " أولى مشكلات المنهج .. هي " الحتمية " . انضباط الأشياء والظواهر بقوانين حتمية . ولنلاحظ من الآن أن تعبير " القوانين " كما نستعمله يساوي في دلالته تعبير " النواميس " أو تعبير " السنن " كما هي مستعملة في الفكر الإسلامي وعليه فإن الحتمية في الاسلام لا يمكن لمسلم ان ينكرها ويبقى مسلماً فقد اتخذ الإسلام من انضباط نظام الكون وثبات نواميسه حجة على الذين لا يؤمنون . ودعا الناس إلى أن يتأملوا ما في الكون من آيات أو سنن لا تتبدل : " سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا " ( الأحزاب 62 ) . " ولا تجد لسنتنا تحويلا " ( الاسراء 77 ) . " أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ، والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي ، وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج " ( ق 6 و 7 ) . " انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه " ( الانعام 99 ) . " فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا " ( الأنعام 96 ) .. والآيات : القصص / 71 ، 72 والرعد /4 ، والروم /22 ، وفاطر / 27 و28 ، والجاثية /43 ، والبقرة / 164 ، والذاريات / 20 و21 ، وفصلت / 53 ، والأنبياء / 22 .. "

في نطاق هذا الكون المنضبط وحركته بسنن لا تتبدل ، من القادر والمسئول عن تغييره وتطويره ؟ .. أو كما يقولون في الفكر الأوروبي . ما هو العامل الأساسي في حركة التطور الإجتماعي ؟ ..

يجيب القرآن انه " الانسان " هو الفاعل الصانع المغير المطور ولاتكون الطبيعة المادية إلا موضوع فعله . ويستعمل القرآن تعبير " السخرة " للدلالة على هذه العلاقة . وهو تعبير قوي الدلالة على ان الانسان هو صانع واقعه والقادر المسئول عن تغييره . " ألم تر أن الله سخر لكم مافي الأرض " ( الحج 65 ) " وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار " ( ابراهيم : 32 ) " وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار " ( ابراهيم 33 ) . " وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً ، وتستخرجوا منه حلية تلبسونها " ( النحل :14 ) " وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً " ( الجاثية :13 ) .. الخ . ويقطع القرآن في أن شيئاً من الواقع لن يتغير إلا إذا تغيّر الناس . " إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم " ( الرعد :11 ) . " وماكان ربك ليهلك القرى بظلم واهلها مصلحون " ( هود : 117 ) .

لذلك هو المنهج الاسلامي في كلياته . قاعدته الأولى أن كل الأشياء والظواهر منضبطة حركتها بقوانين او سنن حتمية . وقاعدته الثانية : أنه في نطاق هذه الحتمية يكون الانسان حراً في تغيير واقعه . وقاعدته الثالثة : إن الانسان وحده هو القادر على التغيير والمسئول عنه .

خلال قرون طويلة من الممارسة استقر هذا المنهج في وعي الناس فأصبح " قيمة " تضبط مواقعهم بدون حاجة إلى إسناد ديني . ومنه استمدت الحضارة العربية التي نشأت ونمت واكتملت في ظل الاسلام ذلك الطابع الانساني المميز الذي لايخطيء الباحثون الاهتداء عليه : الانسان هو البداية . ولقد حصن هذا المنهج الأمة العربية ضد كافة المناهج المادية أو المثالية أو النفعية .. ليس ثمة ما يضاف إلى صيغته الكلية إلا وفاء العرب بما أمروا بالوفاء به . تأمل الانسان ودراسته لاكتشاف قوانين حركته منفرداً ، ثم قوانين حركته مجتمعاً مع غيره . ومع ذلك فسواء اوفوا او لم يوفوا ، فإن حضارته المكونة لشخصيته تزوده حتى بدون أن يعي بمؤشر منهجي هو ان يبدأ نظره إلى كل شيء من الإنسان ، مؤشر عربي حضاري يوجه المجتهدين في الدراسة إلى حيث بدايتها : الإنسان ، ويوجه العاملين إلى بداية العمل ، الإنسان ، ويوجه الراغبين في النصر إلى معيار النصر : الإنسان .

من طفل إلى طفل إلى طفل . كان عبد الناصر منذ أن كان طفلاً يحمل في ذاته هذا المؤشر الذي غرسته حضارته كعربي مسلم . وله في تاريخه آيات كثيرة . كان المعول الأول في انتقائه والتقائه بالضباط الأحرار الجانب الإنساني ( الزمالة والصداقة والثقة الشخصية ) قبل الإلتقاء على برامج واهداف محددة . وانحاز إلى المقهورين من البشر لافتقادهم مقومات إنسانية ( العزة والكرامة ) قبل المقومات الاقتصادية . وكان في حياته الخاصة والأسرية نموذجاً للإنسان العربي كما تصوغه تقاليد وآداب وعادات حضارته العربية . كان قائداً عربياً يتبع على السجية بدون افتعال المؤشر المنهجي الحضاري . فقال على السجية أيضاً :

" إن النصر عمل ، والعمل حركة ، والحركة فكر ، والفكر فهم وإيمان . وهكذا فكل شيء يبدأ بالإنسان " . ( أتحدى من يزعم أن عبد الناصر قد عرف هذا إلا من صدق انتمائه العربي ) . فلما اجتهدنا في دراسة مناهج التطور : الماركسي ، والليبرالي ، والتاريخي .. في كتابنا الأول " أسس الاشتراكية العربية " أهتدينا إلى ما أسميناه منهج جدل الإنسان . وهو وحده – في اعتقادنا – الذي يستطيع أن يقول لماذا كان ما قاله عبد الناصر صحيحاً . لأنه ابتداء من هذه المقولة التي عبر بها عبد الناصر عن خلاصة حضارته العربية الاسلامية في شأن المنهج ، نجد أنها تجري طبقاً " لجدل الإنسان " على الوجه الآتي :

النصر يحقق إرادة إشباع حاجة الإنسان في الواقع حيث تجربة الماضي هي المحدد لإرادة اشباع الحاجة الحاجة التي لا تتم تلقائياً بل بالعمل . والعمل حركة تسعى إلى تحقيق فكرة مصوغة للمستقبل على أساس الايمان بقابليتها للتحقق . مصدر هذا الايمان إدراك لقوانين وسنن تغيير الواقع . فالبداية أن يدرك الانسان مشكلته إدراكاً صحيحاً ، ويعرف حلها الصحيح ، ثم يعمل على تحقيقه في الواقع فينصر .. وهذا هو جدل الانسان ..

بعض الناصريين لا يقبلون " جدل الانسان " منهجاً لأن عبد الناصر قد وقف عند القاعدة المنهجية الحضارية " إن الانسان هو البداية " . لا بأس . المهم الآن بالنسية إلى الناصريين ليس ما قاله زيد او عبيد ، ولكن البدء من أن " كل شيء يبدأ بالانسان " الذي قاله عبد الناصر لاستكمال " المنهج " الذي لاتقوم " الناصرية " كنظرية إلا عليه ، ولا تصان وحدة الناصريين في فهم الناصرية عند التطبيق إلا به ..

الذي لن يكون مفهوماً هو الزعم بأنه وقد قال عبد الناصر " كل شيء يبدأ بالانسان " قد قال أن كل شيء قد انتهى بعبد الناصر . لن يتفق هذا حتى مع دعوة عبد الناصر إلى الاجتهاد الفكري وأعذاره بأن أعباءه لا تسمح له بكل ما يحتاجه هذا الاجتهاد . ونختم هذا الحديث عن المنهج بأنه قد يكون من المفيد لاجتهاد الناصريين مع البقاء في دائرة المؤشر المنهجي الإنساني أن ينتفعوا بالدراسات القيّمة للأستاذ نديم البيطار وهو ناصري قح ، وبما كتبه في " البيان القومي الثوري ط الأستاذ المرحوم الفاضل عبد الله الريماوي ، أما نحن فقد قلنا كلمتنا في حياة عبد الناصر ولم نزل على ثقة من صحة ما قلنا إلى أن يثبت أننا أخطأنا .. حينئذ لن تكون لدينا ذرة من حرج في حبازة فضيلة العودة إلى الحق .

اجتهدوا ماشئتم .. ولكن لا تتقدموا إلى الشعب ، في غيبة عبد الناصر ، بنظرية انتقائية ، أي بدون منهج .. والله يوفقكم حتى لا تفقدوا المستقبل وأنتم " فقهاء " ...

وآية توفيق الله أن تكونوا قوميين لتستحقوا أن تكونوا ناصريين لماذا ؟

جوابنا هو ختام حديثنا عنكم وإليكم .




































(10)


قوميون .. وإلا .. فلا ..


الثوابت والمتغيرات


أياً كان المنهج العلمي الذي سينتهجه الناصريون في صياغة " الناصرية " نظرية لبناء المستقبل فإنه سيبدأ " بالإنسان " ليكونوا ناصريين . هذا يميزهم على مستوى المنهج عن الماديين وعن المثاليين جميعاً . والمناهج قوانين حركة ، أو منطق ، فلا يجدي فيها التوفيق أو التلفيق . وهي قد تكون صحيحة أو خاطئة ولا تكون أبداً محتملة الصحة والخطأ في الوقت ذاته . ولكن حتى المناهج الصحيحة لا تؤدي بذاتها إلى معرفة صحيحة بالمشكلات كما لاتؤدي بذاتها إلى معرفة الحل الصحيح لتلك المشكلات ولا إلى نوع أو قوة العمل اللازم لتحويل الحلول الصحيحة إلى واقع حي . المنهج يساعد ولكنه لا يؤدي تلقائياً إلى العمل الصحيح اجتماعياً . ذلك لأن المنهج طريقة فهم للواقع وكيفية تطويره . ولكي يؤدي دوره لابد من أن يكون الواقع المراد تطويره معروفاً معرفة عملية صحيحة .. ولما كان الواقع متغيراً أبداً فستقع على عاتق الناصريين وهم يصوغون نظرية للمستقبل من تجربة الماضي أن يجتنبوا ماكان جزءاً من الماضي ثم انقضى .. واكتشاف ما يسمى " الثوابت " وهي ليست ثابتة أبداً ولكنها اكثر ثباتاً في الزمان من غيرها .

ولقد ضربنا من قبل مثلاً بعبد الناصر البطل .. والبطولة ليست من الثوابت . ولولا أننا لا نريد ان نتدخل في اجتهادات الناصريين لضربنا امثلة عدة . ومع ذلك لا بأس في ان نضرب بعض الأمثلة لإيضاح فكرتنا .

مثلاً : تشكيل أداة التطوير الثوري من ضباط القوات المسلحة . هذا كان اسلوب عبد الناصر في إعداده لثورة 1952 أملته ظروف اجتماعية وسياسية سابقة على الثورة . وقد طورت الثورة تلك الظروف الاجتماعية والسياسية ، ألغتها ، فلم يعد أسلوب التطوير الذي اختاره عبد الناصر أسلوباً " ناصرياً " لأنه من المتغيرات .

ومثلاً : جرب عبد الناصر صيغاً شتى لدور الجماهير في الإسهام في قرارات الحكم ورقابتها . ( الديموقراطية ) . بدأ ليبرالياً يرتضي الأحزاب إذا " تطهرت من قيادتها الفاسدة " ، ثم انتقل إلى صيغ هيئة التحرير ثم الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي ، وكانت كلها مفتوحة الانتماء لمن يريد فكانت تنظيماً للجميع ولم يكن أي منها حزباً إلى أن اختار الصيغة الحزبية لأعضاء منتقين على أساس ولائهم والتزامهم وقدرتهم على قيادة الجماهير ( طليعة الاشتراكيين ) وفكر في سنواته الأخيرة في تعدد الأحزاب . وكلها متغيرات ، ويكون على الناصريين أن يختاروا للمستقبل صيغة يرتضونها للديموقراطية الشعبية .

ومثلاً : كان الاختيار الاشتراكي ضرورة لمواجهة مشكلات التنمية في بلد متخلف . والتنمية والتخلف معياران متغيران فيكون على الناصريين أن يقيموا الاخيار الاشتراكي على أسس أكثر ثباتاً .

ومثلاً : - أخيراً وليس آخراً – كان عبد الناصر رئيس دولة عربية ، مقيداً بدستور دولته ، وبالقانون الدولي ، فتعامل مع الدول العربية ، تحالفاً او عداوة ، من منطلق الاعتراف بشرعيتها . والالتزام بعد التدخل في شؤونها الداخلية ( ميثاق الدار البيضاء ) هذا بينما كان في الوقت ذاته – أو ابتداء من عام 1956 – قائداً فعلياً معترفاً به للجماهير العربية . كان قائداً لجماهير تعادي حكاماً يستقبلهم بصفته رئيس دولة استقبالات رسمية في مطارات القاهرة ويتبادل معهم القبل ( على الطريقة العربية ) حين يلتقي بهم .. رئاسة الدولة من المتغيرات فيكون على الناصريين أن يحددوا في نظرية المستقبل كيف يكون تعاملهم مع الدول العربية وحكامها ..

... إلى آخر ما يختاره الناصريون ..

إلا واحدة .. فلا خيار لهم فيها وإلا ما كانوا ناصريين بأي معنى .

تلك هي القومية ..


القومية ..

الانتماء إلى الأمة العربية من الثوابت التاريخية كما أن الحرية من الثوابت الإنسانية . وهي بالنسبة إلى الناصريين الثابت المعترف به طبقاً للحد الأدنى من منهج عبد الناصر : البداية هي الإنسان . هذا يعني ان السؤال الأول الذي يطرح على الناصريين هو من هو هذا الانسان الذي تكون البداية منه ؟ هل هو الانسان مجرداً في الزمان والمكان ؟ هل هو الانسان الآسيوي او الأفريقي ؟ هل هو الإنسان الذي يحمل هوية دولته ؟ فهو الانسان المصري أو السوري أو السعودي .. الخ ؟ إن هذا لعلى أكبر قدر من الأهمية لتحديد وعاء النظرية ومضمونها وأسلوبها . إذ بعد ان تتحدد هوية الإنسان الذي يضع الناصريون له نظرية مستقبله ، ستتحدد تبعاً له في مكانه وزمانه المشكلات والحلول والأفعال ، واكثر من هذا يتحدد الإنسان الذي يلتزم الناصريون بنظريتهم في مواجهته ، وبالتالي يكون ملزماً لهم التفاعل معه وقبول ما يقبله من تلك النظرية .

الاغلبية الساحقة ممن ينتسبون إلى الناصرية يقولون إنه الإنسان العربي أي المنتمي إلى الأمة العربية . عظيم ولكنه لا يكفي . فالانتماء إلى الأمة العربية ليس اختياراً ولكنه ثمرة تطور تاريخي طويل جعل من الإنسان عربياً بدون أن يختار وسيبقى عربياً ولو كره انتماءه وحاول الانسلاخ منه .. كل الناصريين في الوطن العربي عرب ينتمون إلى الأمة العربية ، ولكن كل المختلفين مع الناصريين أو حتى اعداءهم عرب ينتمون أيضاً وبقوة التاريخ ذاته إلى الأمة العربية .

فلا يكفي الناصريين ولا يعني شيئاً أن ينسبوا إلى انفسهم مالا يميزهم عمن يختلفون معهم أو يعادونهم . وكما أن أجيالاً سابقة ، محكومين وحاكمين ، لم يفيدوا الأمة العربية شيئاً ، فإن وعد الناصريين في نظريتهم بانهم سيكونون عرباً دائماً ، أو عروبيين ، وانهم سيؤكدون في مواثيقهم الملزمة بأن مصر مصر – مثلاً – جزء من الأمة العربية ، ويضيفون أن على شعبها أن يعمل على وحدتها .. كل هذا لايميز الناصريين بشيء لم يقلع غيرهم . ( المادة الأولى من دستور 1971 ) الذي أصدره السادات تنص على ان ( الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة ) .. فهل أجدى هذا شيئاً ؟

إذن فلن يجدي الناصريين شيئاً .

على الناصريين أن يلتفتوا إلى أنه في نطاق الإنتماء إلى الأمة العربية الذي يجمعهم مع غيرهم ، تتوزع القوى المشغولة بصنع المستقبل فرقاً مختلفة متصارعة ومتقاتلة في بعض الأوقات لا حول الإنتماء العربي ولكن حول " الوحدة العربية " نعني دولة عربية واحدة ، بسيطة او فيدرالية لا يهم المهم ان تكون دولة عربية واحدة أرضها الوطن العربي من الخليج إلى المحيط ( الوطن التاريخي ) وشعبها كل العرب بدون استثناء واحد .

الأغلبية الساحقة ممن ينتسبون إلى الناصرية يقولون نحن وحدويون .

هذا لا يكفي ولا يعني شيئاً يميز الناصريين عن غيرهم ممن يدعون إلى الوحدة العربية . على الناصريين ان يلتفتوا إلى أنه في نطاق " الوحدويين " الذي يجمعهم مع غيرهم تتوزع القوى المشغولة بتحقيق الوحدة فرقاً مختلفة متصارعة ومتقاتلة في بعض الأوقات . لا حول هدف الوحدة ولكن حول الموقف من " التجزئة " . أغلبهم – أغلب الوحدويين أيها الناصريون – يتخذون من التجزئة منطلقاً إلى الوحدة . ولما كانت التجزئة متجسدة في دول لها حكام واعلام وجيوش و " قروش " .. فإنهم يحاولون ان يسلكوا إلى الوحدة ، أعني دولة الوحدة ، الطريق المسدود . إقناع الحكام بأن يتنازلوا عن دولهم الاقليمية لحساب دولة الوحدة . وهو محال . محال إلا أن ترتضي الأمة العربية أن يتولى حكم دولة الوحدة الحاكم المتنازل عن دولته الاقليمية ( تصعيد يعني ) وهو شرط للوحدة أو لقبولها كامن ومعشش داخل كل راس عربي حاكم . يعبر عنه كل منهم حين يحلم بالوحدة ، بما يملكه من إعلامه وغعلانه ورجاله ومخابراته وتحالفاته وامواله أيضاً . ولقد أريد أن أضع تحت كلمة " امواله " خطين لتنبيه الغافلين لولا ان الخطوط تشوه الكلمات ..

ما هو الأثر الفوري التلقائي الحتمي لتحقيق الوحدة ؟

هو على وجه التحديد إلغاء الدول العربية المستقلة كل منها بجزء من الوطن العربي ، وتحول حكامها وحاكميها ووزرائها واجهزتها وكل صاحب سلطة فيها إلى " مواطنين " عاديين في دولة الوحدة . إذن ، من هم اول ضحايا دولة الوحدة ؟ .. هم الذين يخسرون مواقعهم في السلطة ؟ .. إذن ، من هم أعضاء الوحدة بحكم التناقض الموضوعي بين دولة الوحدة ومصالحهم ؟ .. إنهم الحكام …

كيف هذا وقد كان عبد الناصر حاكم دولة مصر ووحدوياً وحقق اول وحدة في التاريخ ؟ .. الجواب يبحث عنه الناصريون بدون حرج في التجربة التاريخية التي قادها عبد الناصر . عبد الناصر حقق الوحدة مع سوريا ولكنه توقف بالوحدة عند سوريا . واعتذر عن قبول الوحدة مع العراق 1958 فتحولت الوحدة المصرية السورية إلى دولة إقليمية كبيرة . وعبد الناصر لم يستطع المحافظة على الوحدة التي تمت فوقع الانفصال سهلاً – إلى درجة تثير الدهشة – عام 1961 .. لماذا ؟ لأن أداته إلى الوحدة كانت دولة مصر . ولم تكن دولة مصر وحدوية بل كانت دولة إقليمية بالرغم من أن قائدها كان قومياً .

ما الحل إذن ؟

الحل يلتفت إليه الناصريون وهم يصوغون نظريتهم . عندئذ سيرون ، من دراسة الواقع العربي ، وتاريخ التجربة التي قادها عبد الناصر ، أن الوحدويين ينقسمون إلى فريقين . فريق عروبي وفريق قومي . أما العروبيون فينطلقون إلى الوحدة من مجرد الانتماء الى الأمة العربية ويتخذون من هذا الانتماء حجة " ميتافزيقية " يصوغونها بقولهم إن الوحدة العربية حتمية تاريخية . وأرجو أن يتأمل كل الناصريين هذه المقولة . يتأملونها بهدوء وبدون عقد . فحين يقال إن الوحدة العربية حتمية تاريخية يلغى دور الإنسان ، فكأنها في يوم ما ستتحقق تلقائياً لمجرد انها دولة واحدة لأمة واحدة . وهو إعفاء للذات ، يصل إلى حد الهروب ،من متاعب الصراع الاجتماعي في سبيل تحقيق الوحدة ( العنف ليس ضرورة لازمة للصراع الاجتماعي ولكن إذا فرضه الأعداء فإن الهرب منه جبن واستسلام ) .. لا يحتاج الأمر إلى مزيد من الإيضاح لنعرف ان صيغاً مثل الجامعة العربية – والدفاع المشترك والوحدات الجزئية .. والتضامن العربي والأخوة العربية .. الخ كلها صيغ " عروبية " ولكنها ليست صيغاً قومية وحدوية بل إنها مطروحة كبدائل عن الوحدة .. وميزتها بالنسبة إلى أصحابها ان تحتفظ لهم بدولتهم وحكمهم وحكامهم . واكثر من عروبية وفي الوقت ذاته اكثر عداوة للوحدة العربية . تلك البدائل المغرية كمشروعات توحيد المغرب الكبير او وادي النيل او الهلال الخصيب أو دول الجزيرة .. لأنها بدائل أكثر إقناعاً من البقاء في الدول والدويلات العربية المتردية سياسياً واقتصادياً والتي يغذي فشلها الدعوة ، والتطلع ، والأمل ، في دولة الوحدة العربية الشاملة ..

هذا فريق العروبيين

يبقى الفريق الثاني من الوحدويين . إنهم القوميون .

والقوميون ينتمون إلى الأمة العربية مثلهم مثل العرب جميعاً . وهم وحدويون مثلهم مثل العروبيين . ولكنهم يختلفون جذرياً ، ويتميزون قطعياً ، عن كل هؤلاء . بأنهم يحولون الانتماء السلبي إلى الأمة العربية إلى حركة إيجابية لبناء المستقبل العربي ويلتزمون ما يفرضه عليهم الانتماء التاريخي من حدود في صنع التاريخ .

أول هذه الالتزامات الانطلاق من وحدة الأمة العربية شعباً ووطناً . المشروع القومي للمستقبل حتى لو صيغ في إحدى القرى . لا بد ان تصل أبعاده إلى أبعاد الوطن العربي كله ، وان يشمل كل إنسان عربي . من أين يبدأ وأين ينتهي ، ومتى ، هذا لايهم ، المهم ان يكون مشروعاً للأمة العربية وليس لأي من اجزائها أو دولها . وإن كان سيفرض ذاته – عند تحديد البداية – أن تكون البداية من حيث ثقل الأمة ومركزها بشرياً وحضارياً ومقدرة بحيث تأتي الوحدة إلتحاقاً للاجزاء " بدولة وحدة نواة " . نحن نرشح مصر .. لأن مصر يمكن بأقل قدر من المعاناة أن تتحول إلى دولة وحدة نواة بدون إضافة لتكون مستعدة لاستقبال الإضافات .. ليست مصر التي حكمها عبد الناصر ، وليست مصر الآن ولكن مصر التي تصبح أول قطر يطبق فيه دستور دولة الوحدة العربية ونظامها فتصبح " دولة العرب " .. وعلى الناصريين في مصر ان يعرفوا كيف تتضمن نظريتهم إعادة صياغة دولة إقليمية كبرى بحيث تصبح دولة الوحدة النواة .. أو دولة العرب كما افضل ان أسميها .. وهو عبء أكثر جسامة من أي عبء آخر .. ولكن بدونه لن يتميز الناصريون بشيء ذي بال عن الوحدويين العروبيين .

أعني على وجه التحديد أن تكون النظرية الناصرية المرتقبة نظرية قومية ليكون الناصريون متميزون عن غيرهم من القوى الوحدوية كثيرة العدد في الوطن العربي بدون فائدة .

وليست القومية مجرد كلمات توضع في المواثيق . إن تكن كذلك فقد سبقت إليها قوى وأحزاب كثيرة . إنما القومية منطلق حركة منظمة وضابط ملزم في حركتها ونظامها .

مثلاً : القوميون لا يعترفون بشرعية التجزئة وبالتالي لا يعترفون بشرعية الدول العربية حتى لو اعترفوا بها اعترافاً واقعياً . فينظر الناصريون حين يصوغون نظريتهم كيف يمكن ان يتحقق هذا بدون إثارة " حرب اهلية " عربية .

ومثلاً : التنظيم القومي لابد له ، لكي يكون قومياً ، بالإضافة إلى المباديء والخطط ، أن يكون مفتوح العضوية لأي عربي يريد ، وتتوافر فيه شروط العضوية ، بالرغم من كل ما تحظره الدول العربية على تكوين الأحزاب والإنتماء إليها .

مثلاً : إن التنظيم القومي لن يتنازل تحت أي شرط ولأي سبب عن ان ينتشر وينشط من اجل الوحدة في جميع الاقطار ولن يرضي هذا كل الحكام العرب الذين لن يترددوا في استعمال قوانينهم ومحاكمهم وسجونهم ومشانقهم إذا لزم الأمر " للمحافظة " على أمن " الدولة " العربية واستقلالها .

مثلاً : إن التنظيم القومي في حركة انتشاره لن يقع – مهما كانت الظروف – في أفخاخ التجزئة الاقليمية . لن يجسد الاقليمية في ذاته ثم يدعي أنه قومي . ومن صور تجسيد الاقليمية أن تكون غايته الاستيلاء على الحكم في إقليم ليتحول – بهذا وحده – إلى دولة إقليمية تجسد التجزئة ، وان يخضع في منظماته الفرعية لخطوط التجزئة . لن يكون له – وهو قومي – فرع خاص وقاصر على كل دولة عربية فيدس في تكوينه نفسه جرثومة التجزئة .

وغير هذا كثير ..

ومن الكثير المفاهيم الفكرية ..

فحركة التحرر " العربي " تعني تحرر كل دولة عربية ، بقوتها الذاتية أو بمساعدة من الدول العربية الأخرى على انعتاقها من التبعية والاحتلال . وكل دولة وحظها من النجاح أوالفشل . ولكن حركة التحرر " القومي " تعني تحرير الوطن العربي كله ، بذات القوة الموحدة ، من التبعية والاحتلال . وقد لايلعب الشعب العربي في القطر المقهور دوراً رئيسياً وقد لايستطيع ان يلعبه بفعل التبعية والاحتلال ذاتها ، إنما التنظيم القومي على امتداد الوطن العربي كله هو المسئول عن تحرير الوطن العربي كله بصرف النظر عن موقف الشعب العربي فيه ، لأنه حتى الشعب العربي في أي قطر ، لايملك القطر الذي يعيش فيه بل هو " جزء من الأمة العربية " وعلى الناصريين أصحاب مبدأ " حرية الوطن والمواطن " أن يحددوا بدون لبس ان الوطن هو الوطن العربي وان المواطن هو كل عربي وإن تلك حدود التزامهم بتحقيق " الحرية " .

ثم إن القومية هي المدخل الصحيح إلى الاشتراكية وهي من الثوابت التي لا تتأثر بمتغيرات التنمية أو التخلف . لأن الأمة وطن مشترك لشعب واحد . ولما كانت مصادر الانتاج هي هي ذاتها مكونات الوطن من أرض وسماء وماء إلى أن يلتقي بها جهد الشعب فتتحول إلى إنتاج بأسلوبه ، فإن الشعب في الأمة ، أعني أفراد الشعب ، وكل فرد ، ولا اعتقد انه من الضروري الآن أن أسميه الشعب العربي ، وافراد الشعب العربي ، إنهم شركاء تاريخياً في مصادر انتاج وطنهم يحصل كل منه على عائد عمله لا أكثر ولا اقل . ويقتضي هذا من الناحية الفنية وطبقاً للخبرات الاقتصادية في العالم ، ان تستثمر المصادر وقوة العمل طبقاً لخطة شاملة كل المصادر وقوة العمل تضمن عدم تبديد المصادر ،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://eastfayoum.yoo7.com
 
عبد الناصر و " فلسفة الثورة ( جزء 2 )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عبد الناصر و " فلسفة الثورة
» ما هو "بنك الطعام المصرى" ?
» د. أحمد زكى بدريطلع على الوضع المالى ل"معلمى الإدارات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إدارة شرق الفيوم التعليمية  :: معنا .. التعلم .. متعة-
انتقل الى: