لماذا ينجح غيرنا ولم ننجح بعد ؟

لماذا ينجح غيرنا ولم ننجح بعد ؟
النهضة العربية وحاجتنا إلى التحولات الإستراتيجية لماذا ؟ وكيف ؟
لاشك ان التنمية البشرية المستدامة هى المفتاح الاساسى إلى التنمية الشاملة
والتى تعتنى ببناء الانسان الحضارى الذى يمتلك القيم الدينية والانسانية الممتازة والمعارف والمهارات والخبرات والتقنيات الحدبثة هى الاساس في حدوث نقلات نوعية حقيقية فى كافة مجالات الحياة الافتصادية والفنية والاعلامية والتربوية والسياسية .... الخ
ومن ثم التحول إلى الدولة الحديثة التى تمتلك حصة ما من التكنولوجيا والقوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية والتى تتحدد قيمتها فى المجتمع الدولى على اساسها وتصبح لاعبا حقيقيا فى مسرح الاحداث العالمية .، وتتمكن بذلك من تحقيق الامن والاستقرار لمجتمعها وامتها .
ومن خلال دراسة التجارب الناهضة الحديثة لكل من اليابان والصين وماليزيا واندونسيا وتركيا والتى تتشابه وتقرتب الى حد ما من واقعنا العربى تتاكد لنا مجموعة من الحقائق
ركائز النهضة في التجارب الناجحة حديثا
اليابان ـالصين ـ ماليزيا ــ اندونيسيا ـ تركيا
البنية الأساسية الأولية : التخلص من الإشكاليات العقلية التي تسببت في تجميد العقل
وترسيخ حالة التخلف والضعف والتفكك والتبعية
الأول : النهوض التربوي والتعليمي
الثاني: النهوض العلمي والتكنولوجي
الثالث : الإصلاح الادارى الشامل
الرابع : النهوض السياسي وتقوية مؤسسات المجتمع المدني .
الخامس : الانفتاح والتواصل مع العالم الحديث
السادس: البناء القيمى المنظم
السابع : العمل المؤسسي الحديث
ـــ وهذا ما سنتناوله بشيء من الإيجاز
( الأفكار والمفاهيم الأساسية فقط دون عناء الاستغراق في التفاصيل والجزئيات )
البنية الأساسية الأولية : التخلص من الإشكاليات العقلية التي تسببت في تجميد العقلوالتي ترسخ حالة التخلف والضعف والتفكك والتبعية
من المؤكد ان كل مجتمع يتحرك وفق مجموعة من القناعات والمفاهيم والافكار الكلية والتى تميزه عن غيره من المجتمعات ، والتى تتفرع عنها كافة الافكار والمفاهيم التفصيلية التى تترجم على ارض الواقع فى شكل اقوال واجراءات واعمال وانجازات .
ومن أول وأساس الدروس المستفادة من هذه التجارب الناجحة
التخلص من أهم الاشكاليات العقلية التى جعلت من العقل آده للجمود والتخلف لا أداة للتحديث و للنهضة
ــ فى الدول الغير دينية تعاملت مع قضية التنمية والنهضة بعقل مفتوح بشكل كبير حيث تحررت من كل ما تراه ملزما ومقيدا لحركة العقل والفكر والتطوير، حيث انها تتعامل مع كل القناعات والمفاهيم والمعتقدات على انها من جملة المتغير الذى يمكن النظر فيه وتعديله وتغييره وربما التخلص منه بالكلية
ـ أما فى المجتمعات الإسلامية فالامر يختلف كلية حيث هناك الثابت والمتغير ، الثابت المنقول من رب العزة تبارك وتعالى ومن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والذى نزل انما لينظم ويفعل حركة التنمية الإنسانية وعمارة الكون على مدار الحاضر والمستقبل الانسانى
بيد انه يحتاج الى عقول عاملة ومفكرة ومجتهدة تدقق النظر والتامل فى النص الدينى الثابت والمؤكد واليقين الصحة وتعمل فيه العقل الانسانى العارف بشئون العصر الحديث فتحسن الاستفادة منه بما ينظم ويوجه ويرشد ويفعل الحركة الدائمة للتطوير والتجويد فينتفع الخلق ويزداد ايمانهم ويقينهم فيما جاءهم من ربهم عز وجل ونبيهم الامين صلى الله عليه وسلم ومن ثم يزداد ارتباط المجتمع بالدين وبالحضارة والتحديث الانسانى المتجدد وهذا ما قامت به هذه الدول ومازالت تجتهد فيه
ومن اهم ما قامت به هذه المجتمعات الناهضة اولا هو المراجعة الفكرية لكثير من القناعات والافكار والمفاهيم التى تعد بمقياس الدين من جملة المتغير ولكنها بفعل الكثير من العوامل التاريخية تسربت للعقل الباطن العربي والمسلم على انها من الثابت
ومن ثم تحولت من مفاهيم للتطور فى زمانها الاول الى مفاهيم للجمود والتخلف فى زماننا الحالى ، ومن ثم انتبهت هذه المجتمعات الناهضة لها جيدا واحسنت التعاطى معها والتخلص منها وفقه ابجديات العقل والمصلحة ولإجلاء الأمر وبيانه على حقيقته هوحقا من واجبات الدين .
أهم الإشكاليات العقلية التي تم رصدها وتوصيفها والتخلص منها هى :
1 ـ الانغلاق العلمي وضيق الوعاء المعرفي
2 ـ تجميد العقل وتقديس النقل والاكتفاء به
( وقف باب النظر والاجتهاد ) ( النص ــ رأى وفعل التراث )
3 ـ رفض الحكمة الوافدة ( الآخر كله شر )
4 ـ العشوائية ( غياب المعايير الحديثة ـ رفض النقد والمراجعة والتجويد )
5 ـ سطحية التعامل مع مفاهيم وقيم وعبادات وتشريعات الإسلام
6 ـ وقف التفكير التأملي والحد من استخدام الحد الأقصى لحدود العقل المسلم المعاصر
مما فتح آفاق العقول فى هذه المجتمعات للتواص مع الناتج التراكمى للحضارة الانسانية والاستفادة منها وتحقيق نقلات نوعية كبيرة .
ومكن ابناءهذه المجتمعات من امتلاك الادوات الحقيقة للفعل والانجاز وتحويل مواردهم الخاصة الى قدرات فعل وانتاج ، وتكوين ارقام حقيقية فى كافة مجالات الحياة .
الأول: النهوض التربوي والتعليمي
عملت هذه المجتمعات على إحداث تحول نوعى كبير فى العملية التعليمية حيث انها الاساس فى تخريج اجيال جديدة تستوعب وتحسن التعاطى مع التحديات وتتجاوزها لتحقيق التنمية والنهضة المنشودة
فعملت على التحول من المفهوم القديم لعملية التعليم
والذى كان يعتمد على تكديس وحشو اكبر قدر من المعلومات في عقل الطالب وتنمية القدرة على حفظها واستدعاؤها وقت الامتحان فقط
الى المفهوم الحديث لعملية التعليم والذى يعمل على
ـ تنمية قدرة الطالب على التفكير العلمي العملي المنظم .
ـ توجيه ميول الطالب إلى البحث والتعليم والتطبيق وتطوير حركته ودوره واستفادته في الحياة.
ـ إكساب الطالب مجموعة محددة ومهدفة من القيم والمعارف والمهارات والخبرات .
ـ تعزيز قدرة الطالب على تطبيق وتوظيف وتفعيل هذه القيم والمعارف والمهارات والخبرات
وبطبيعة الحال ادى ذلك الى تغير كلى فى كافة عناصر المنظومة التعليمية
والمكونة من الادارة والمعلم والمواد العلمية المقررة واساليب وادوات التعليم ومفهوم الانشطة المدرسية وادوات ومعايير وطريق التقييم سواء للمعلم او الطالب او العملية التعليمية برمتها .
الثاني: النهوض العلمي والتكنولوجي
فطنت هذه المجتمعات الى الحقيقة الواقعة المؤكدة بان التقدم العلمى والتكنولجى هو الاداة الحقيقة لتطوير وتفعيل كافة مجالات الحياة حيث تدخل العلم والتكنولوجيا بشكل اساسى فى كافة مجريات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفنية والرياضية والفنية ....... الخ ، واصبح العنصر المؤثر والحاكم فيها لما يحققه فيها من طفرات كمية ،ونوعية كبيرة تعجز عن تحقيقها أية أسباب اخرى .
ومن اهم الاستراتيجيات التى اعتمدت عليها هذه المجتمعات هى استراتيجية حصد الرصيد الانسانى المتراكم من المعرفة ، والتكنولوجيا فى كل مجال واستيعابه ، والاعتماد عليه ،والانطلاق منه ( البداية من حيث انتهى الاخرون ) خاصة وان تداول المعرفة أصبح يسيرا جدا بفعل التطور المستمر فى تكنولوجيا الاتصالات .

الثالث : الإصلاح الادارى الشامل
لا شك أن كل تطوير يحتاج إلى تغيير، فالتغيير قبل أن يكون مبدأ إداريا ملازما للتطوير فهو سنة كونية متلازمة في كافة مجالات الحياة جميعها،
ولا بد للتغيير من تضحيات، ولكن من التضحيات تأتي النجاحات وفي التغيير ترعى مصلحة المجتمع، وتقدم على مصلحة الافراد والمؤسسات
وهناك نوعان من الإصلاح تتوقف الحاجة لكل منهما حسب طبيعة المشكلة والأزمة والمشهد الذي يحتاج إلى إصلاح، النوع الأول هو إحداث تطوير جزئي في بعض الجوانب ينشأ عنه بعض النمو الذي يساهم في تحقيق تطوير جزئي، وهذا النوع تم اللجوء إليه في حالة الأزمات والمواقف والمشاكل المحدودة نسبيا، أما النوع الثاني فهو عمل تحولات إستراتيجية كبيرة تحتاج إلى تغييرات كلية أشبه ما يكون بحدوث ثورة تغييريه على الأوضاع القديمة بهدف تهيئة المناخ والساحة لحدوث نمو تطور نوعي حقيقي، وهذا ما فعلته هذه المجتمعات بالضبط في واقعها الادارى والتنظيمي بداية من إدارة الذات ثم إدارة الأسرة والمدرسة والنادي والمؤسسة
وهذا ما قامت به هذه المجتمعات بالفعل إذ أحدثت ثورة نوعية في عالم الإدارة والتنظيم اعتمدت على إصلاحات وتحولات جذرية فى عالم المفاهيم والافكار والخطط والاستراتيجيات ، وقد استفادت كثيرا من المدارس الادارية الحديثة خاصة الادارة الامريكية ، كما قامت بالإضافة والتحديث عليها بما يناسب خصوصيات الظرف والزمان والمكان والثقافة الخاصة بها .
ويتجسد هذا الإصلاح الادارى جليا فى المسارات الثلاثة ادارة المال والبشر والمعرفة ، وبالفعل قد أتى ثماره جلية واضحة فى كافة مجالات الحياة فى هذه المجتمعات .
الرابع : النهوض السياسي وتقوية مؤسسات المجتمع المدني .
حيث تاكد لهذه المجتمعات حتمية الاصلاح السياسى وبناء مجتمع ديمقراطى كاساس لاية عملية تنمية ونهوض يمكن ان تتم ، فعمدت هذه المجتمعات والانظمة الى المسارعة بالاصلاح السياسى وتاسيس انظمة ديقراطية حقيقية تقوم على
ـ فكرة حرية الشعب فى اختيار الاصلح
ـ التنافس بين الاجزاب والاتجهات السياسية لتحقيق اقصى مصالح ممكنة للشعب
ـ حق الشعب فى مساءلة ومحاسبة المسئولين عنه
ـ مشاركة الجماهير فى رسم الملامح الاساسية لساسات البلاد
ـ الفصل بين السلطات كاساس لبناء مجتمع مدنى متحضر
كل ذلك ساهم بطبيعة الحال فى توفير جو من الاستقرار النفسى والذهنى للجماهير ومن ثم اطلاق حريتها فى التفكير والابداع والابتكار والمشاركة بفاغلية فى تنمية ونهضة البلاد ، كما ساهم فى الحد من الفساد الادارى والسياسى والاقتصادى بشكل كبير والمحافظة على موارد البلاد وحسن توجيهها وتفعيلها لخدمة الصالح العام .
الخامس : الانفتاح والتواصل مع العالم الحديث
ـ عبقرية هذه المجتمعات كامنة في انها استطاعت ان تستوعب الحداثة وتدخل في عصر العولمة وتواكب التطور العلمي والتكنولوجي وتستفيد بل وتحصد ثمار التراكم الانسانى الحضارى من العلوم والمعارف والانجازات والابتكارات الحديثة ، دون ان يحدث شرخ بين تقاليده الراسخة وبين العصرنة بل استوعبت ذلك كله وتخطته.
ــ يقول توفيق يوسف عواد (1911 – 1989) الذي كان سفيرا للبنان في طوكيو من 1966 الى 1971 عن الاجوبة اليابانية في كتابه الرائع ما يلي:
"وحدها اليابان استطاعت ان تحقق الاعجوبة. احتفظت من الشرق بأحسن قيمه وتقاليده: الشرف، العائلة، الوطن. واخذت عن الغرب احسن ما عنده: العلم والتقنية والحضارة".
ـ وكمثال نأخذ المجتمع الياباني
فقد فكروا وقرروا بسرعة، قرروا أن يأتوا بمن يعلمهم. بمن يعلم المئات، والمئات يعلمون الألوف، فأتوا بالإنجليز ليعلموهم بناء السكك الحديدية وبالفرنسيين ليعلموهم الدستور والقانون وبالإيطاليين ليعلموهم الرسم والموسيقى وبالألمان ليعلموهم صناعة الدواء والأميركان ليعلموهم بناء المدارس والمعاهد.
السادس: البناء القيمى المنظم
فطنت هذه المجتمعات الى ان البناء الحضارى لاى مجتمع يعنمد على شقين اساسيبين .
ـ الشق الاول وهو البناء القيمى القادر على تحفيز الجماهير وحشد وتوجيه وتوحيد هذه الجهود نحو فكرة مركزية يتبناها المجتمع والدولة ، وحثهاعلى البذل والتضحية والمثابرة لاجل تحقيق الاهداف الكبرى ، وايضا لتكون بمثابة معيار يحتكم اليه الجميع .
فنظمت هذه المجتمعات لانفسها منظومات قيمية اختيرت وصفت بعناية كبرى لخدمة الاهداف الكلية للمجتمع خلال مراحل نهوضه المختلفة .
الشق الثانى وهو الجزء المتعلق بالتقدم التكنولوجى وتطبيقاتها المختلفة فى تطوير حياة الناس ، ولا شك ان الشق الثانى يعتمد على الأول وينطلق منه وبه
السابع : العمل المؤسسي الحديث
الذى يمكن اصحابه من الاستغلال الامثل لمواردهم المتاحة ويحولها الى اكبر قدر من القدرات الإنتاجية الفاعلة ومن ثم يحقق الانجازات الاحترافية الكبيرة كما ونوعا .
ويعتمد العمل المؤسسى الحديث على مجموعة من الادوات الاساسية والتى
تتكامل فيما بينها لتحقيق اهداف المؤسسة والمجتمع والدولة .
ــ المزيج الاستراتيجى الكامل
( رؤية ورسالة واهداف عامة واستراتيجيات وسياسات ومشروعات عمل ) .ــ الهيكل التنظيمى والتوصيف المهنى الدقيقة للوحدات والوظائف
ـــ منظومة قيم للمؤسسة والمجتمع
ــ آليات تمويل دائمة ومستقرة
ــ اللائحة والنظام الداخلى للمؤسسة
ــ معايير ومعدلات الاعمل والانتاج
ــ نظام الاجراءات وتسيير حركة العمل
ـ نظام متابعة وتقييم عادل وفاعل