[color=red]
التعليم في تونس بوصلة النمو والحداثة[/color]
تونس24- تعول تونس اليوم في تحقيق مزيد من النماء والازدهار، وفي ظل غياب موارد طبيعة كبيرة،على الاستثمار في رأس مالها البشري لاسيما بالمراهنة على تعليم أبنائها وبناتها ووضع كل الإمكانات الاقتصادية والاجتماعية في خدمة العملية التعليمية ليكون بذلك القطاع الذي يستأثر بأعلى نسبة من ميزانية الدولة (حوالي 20 بالمائة من ميزانية الدولة).
وتحقق تونس اليوم في مجال بناء مجتمع المعرفة أهدافها الواحد تلو الأخر وهي التي أصبحت تتوفر على العقول والقدرات العلمية والمعرفية القادرة على النهوض بكل مكونات العملية التنموية في البلاد لتؤكد بذلك نهجها وخيارها الذي يقوم على قاعدة أن العلم يبقى مسلكا آمنا لتحقيق النجاح والامتياز وبلوغ درجات ارفع وأرقى من التقدم والرقي وان المعرفة تظل "افتك" سلاح لكسب معركة الفقر والتخلف والقضاء على كل المظاهر التي يمكن أن تعيق مسيرة التنمية.
وتصف تقارير دولية التجربة التونسية في التعليم ب"الناجحة" حيث صنفتها الأولى على مستوى المغرب العربي في سياسة إصلاح التعليم وتأهيله. كما يتوقع أن تحقق هذه التجربة أهداف الأمم المتحدة التي تتضمن إلى جانب توفير التعليم للجميع عام 2015 محو الأمية بمعدل النصف وضمان نوعية تعليم أفضل والمساواة بين الذكور والإناث في التعليم.
ويذكر في هذا الخصوص أيضا انه حسب التقرير العالمي السنوي لمنتدى دافوس لسنة (2008-2009) تم تصنيف تونس ضمن كوكبة الدول الأكثر تقدما في مجال الاستثمار في العلم والمعرفة.وهي تحتل وفق هذا التصنيف المرتبة 17 بالنسبة لجودة النظام التربوي والمرتبة 21 بالنسبة لجودة التعليم الأساسي والمرتبة 17 بالنسبة لحجم الإنفاق على التعليم (تخصيص قرابة 7.1% من الناتج المحلي الإجمالي لقطاع التعليم) كما تحتل المرتبة 7 بالنسبة لجودة تعليم المواد العلمية والرياضيات.
وفي تدليل متجدد على حجم ما يكنه التونسيون من أهمية لتعليم أبنائهم وحرصهم على تامين اكبر قدر ممكن من التحصيل العلمي لديهم مثلت العودة المدرسية والجامعية، هذه السنة وككل سنة، حدثا مميزا حيث فتحت أكثر من 6 آلاف مؤسسة تربوية يوم الثلاثاء 22 سبتمبر أبوابها لاستقبال حوالي مليوني تلميذ وتلميذة وما يزيد عن 130 ألف مدرس وذلك علاوة على استقبال المؤسسات الجامعية لأكثر من 370 ألف طالب وطالبة، إيذانا بانطلاق سنة دراسية جديدة يتطلع الجميع إلى أن تكون موفقة على مختلف الأصعدة لاسيما وأنها تشكل فاصلا محوريا في المشهد التربوي الذي يتوج اليوم مرحلة تعليمية عايشت جملة من الإصلاحات.
ويذكر في هذا السياق أن السياسة التعليمية التي انتهجتها تونس منذ التحول أتاحت بلوغ نسبة مرتفعة في التمدرس تقدر 99.1 بالمائة بالنسبة للأطفال البالغين من العمر 6 سنوات بالتساوي بين الفتيان والفتيات في حين بلغت النسبة الترسيم بالمدارس الأساسية فيما يتعلق بالأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و11 عاما حوالي 97.3 بالمائة.
تعزيز جودة التعليم .. تامين لحظوظ الأجيال القادمة
لكل متابع للشأن التربوي في تونس أن يلحظ بيسر الأثر الطيب للإصلاحات التي شهدتها المنظومة التربوية، خلال ما يزيد عن عشريتين، على التطور الكمي والنوعي لأهداف التربية، ولاسيما باتجاه مزيد تلقين الشباب التونسي قيم ومبادئ العقلانية والحداثة بما تحمله من معاني الكونية والحرية والتسامح وهو ما احدث ما يشبه الطفرة سواء أكان ذلك على مستوى التعليم الأساسي أم الثانوي أو العالي.
فقد بادر الرئيس بن علي منذ الأيام الأولى للتحول بتقييم النظام التربوي وأوكل إلى المؤسسات الاستشارية والمنظمات الوطنية والمجتمع المدني النظر في إصلاح التعليم بما يتلاءم ومقتضيات المرحلة. وأولت القيادة في هذا الاتجاه عناية خاصة للثوابت الوطنية والثقافية في صياغة المنظومة التربوية التونسية بما يتماشى مع الانتماء التاريخي والثقافي للشعب التونسي، فتمت إعادة الاعتبار للغة العربية من خلال اعتماد التعريب الشامل للتعليم الأساسي في سنواته الثلاث الأولى مع إدخال نوع من الازدواجية في السنوات الثلاث الأخيرة من التعليم الابتدائي وذلك على نحو يضمن تكوينا قاعديا للتلميذ التونسي بلغته الأم مع تثبيت تنشئته على هويته الإسلامية ولغته العربية.
وشمل هذا التمشي أبناء الجاليات التونسية المقيمة في الخارج وخاصة الجاليات التونسية في أوروبا، حيث فتحت الدولة التونسية المدارس التي تستقبل أبناء المهاجرين وتقوم بتعليمهم مبادئ اللغة العربية والدين الإسلامي، وذلك بهدف ربط أبناء هؤلاء المهاجرين بأصولهم التونسية العربية وعقيدتهم الإسلامية.
وفي اتجاه تاسيس قاعدة متينة تسند هذا التوجه جاء قانون الإصلاح التربوي المؤرخ في جويلية 1988 ليعمل على تعزيز الانتماء إلى تونس والولاء لها وتمكين المتعلم من زاد معرفي في اللغات والإنسانيات والعلوم والتقنيات بما يعزز الانفتاح على الحضارات ويخلق جيلا يساهم في بناء الحضارة الإنسانية الحديثة. ومن السمات البارز لهذا القانون تركيزه على تكوين الشخصية المتوازنة المتسامحة التي تعتز بالانتماء إلى أصولها بلا تعصب وتنفتح على الآخر بلا ذوبان. ومن أهم الإضافات التشريعية الواردة في هذا القانون أنه أقر إجبارية التعليم وذلك في كامل المرحلة الأساسية وإلى غاية سن السادسة عشرة.
وحرص هذا النظام التربوي على إصدار برامج وكتب مدرسية أقصت مختلف مظاهر التمييز بين المرأة والرجل ونأت عن عقلية السحر والشعوذة التي تناقض مبادئ العلم والتكنولوجيا الحديثة. وقد أرادت القيادة التونسية بذلك أن يدخل المواطن التونسي باب الحداثة واعيا بمقتضياتها وملما بمتطلباتها.
وبدوره لم يغفل القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي(الصادر في جويلية 2002)، والذي جاء نتاجا لاستشارة موسعة لمختلف مكونات المجتمع التونسي حول ما اصطلح على تسميته بمدرسة الغد، البعد التربوي السلوكي في المنظومة التربوية، فكان الاهتمام بالتربية على قيم الوطنية والمواطنة وهي قيم لا تلقن في الدروس التقليدية ولا تقيم بالأشكال المتعارف عليها بل تقوم على مقاربة تجعل المتعلم يمارس مواطنته ويعبر عن وطنيته في قنوات الحياة المدرسية التي يوفرها له التشريع الجديد المنظم للحياة المدرسية.
ومن هذا المنظور يبرز لكل متابع حرص السياسة التربوية في تونس على مسايرة تسارع التغييرات في العالم، والتطور المذهل للمعارف آخذة في الاعتبار انه لم يعد من الوارد أن يكون المدرس أو المدرسة هما المنهل الوحيد للمعرفة أو السلطة المعرفية الوحيدة، فوسائل الاتصال الحديثة قد أخذت من المدرسة ما كانت تختص به دون غيرها.
وفي ظل ما تقدمه هذه الوسائل من دفق هائل من المعلومات يعمل التونسيون على تطوير وظيفة المدرس والمدرسة وتغيير دورهما وفق المعطيات المستحدثة بما يجعل المتعلم عارفا بكيفية معالجة المعرفة والتعامل مع هذا الدفق من المعارف تعامل الناقد الواعي ليكون بذلك قادرا على استثمار منتوج الوسائل الحديثة للاتصال ويساهم في الفضاء الاتصالي بالمنتوج الذي يبوء الناشئة الدخول إلى مجتمع المعرفة من بابه الكبير.
تطوير التكوين المهني .. تامين لمتطلبات الاقتصاد المتطور
يحظى التكوين المهني اليوم في تونس بمكانة متميزة في المنظومة التربوية حيث شهد إصلاحات جذرية واتخذت لفائدته عديد الإجراءات والمبادرات ليكون في علاقة وثيقة مع المحيط الاقتصادي وفي تكامل تام مع منظومتي التربية والتعليم العالي.
وبالنتيجة شهد عدد الوافدين على مراكز التكوين المهني ارتفاعا هاما ليبلغ أكثر من 46 ألف دارس وهو ما يؤمن لهذا القطاع النقلة النوعية التي تجعل منه مسلك نجاح يعد لمهن المستقبل وأشكال العلم الجديدة.
وبهذا المعنى لم تعد منظومة التربية والتكوين ذات سمة انتقائية بالمفهوم السلبي بل هي منظومة تمكن المتكونين والمتعلمين من أن يكتشفوا قدراتهم ومواهبهم بصفة مبكرة ليتم صقلها وتعهدها ليصبح مفهوم التميز بهذا المنطق أوسع مما كان عليه .. خاصة وأن نجاح أي نظام تربوي أصبح يقاس بما يفرزه من تخصصات يحتاجها المجتمع وتستجيب لمتطلبات سوق الشغل.
ويدرك التونسيون جيدا الحاجة الملحة إلى اليد العاملة المتخصصة التي تحتاجها المشاريع الكبرى الموجودة أو التي ستوجد بالبلاد خاصة وأن التكوين عموما قد أصبح يمكن المتعلمين والمتكونين من مهارات وكفايات تجعلهم يستطيعون مواكبة التطورات التقنية والمستجدات في المجالات التي تلقوا فيها تكوينا.
تطور كمي ونوعي لمنظومة التعليم العالي
لم يكن مجال التعليم العالي في المقاربة التعليمية في تونس اقل شانا وأدنى حظوة من ميدان التربية والتكوين. فالجامعة التونسية التي احتفلت منذ شهور قليلة بالذكرى الخمسين لتأسيسها تحتضن اليوم حوالي 370 ألف طالب فيما يبلغ عدد الطلبة المرسمين في المرحلة الثالثة والدكتوراه حوالي 30 ألف طالب.
فقد تضاعف عدد طلبة الجامعات في ظرف عشريتين 6 مرات لتناهز نسبة التسجيل بالتعليم العالي الـ30 بالمائة من بين المنتمين للفئة العمرية من 20 إلى 24 سنة والتي كانت في حدود 6 بالمائة سنة 1987.
وحتى لا يكون التعليم العالي مقتصرا على الميادين التقليدية في الجامعات فقد حرصت الدولة التونسية على فتح المعاهد والمدارس العليا المتخصصة وذات الكفاءة العلمية العالية ومنها على سبيل الذكر المعهد الوطني للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا ومدرسة التقنيات المجمعة "البوليتكنيك" والمدرسة الوطنية للعلوم الإعلامية، ودار المعلمين العليا لتكوين الأساتذة المبرزين.
كما توجه الحرص إلى تلبية حاجات الصناعات الوطنية من المختصين المهرة، فتم إنشاء شبكة من المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية وذلك من أجل مد السوق الصناعية بفنيين على مستوى عال من الكفاءة والقدرة في مختلف الاختصاصات التقنية والتصرفية.
ويلاحظ المختصون والمهتمون بشان التعليم في البلاد ما شهده قطاع التعليم العالي من توسع كبير سواء على المستوى الكمي أو الكيفي بما جعل تونس تونس اليوم من بين الدول المصنفة في مقدمة دول العالم الثالث من حيث جودة وتعدد الخيارات التعليمية في مختلف مراحل التعليم.
[b]